من مظاهر تخلفنا تدبير الإدارة العربية بلغة الإفرنج-يونس إمغران /المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

من مظاهر تخلفنا
تدبير الإدارة العربية بلغة الإفرنج

  يونس إمغران    

*** ماتزال مؤسسات عمومية عديدة بوطننا العربي، تصيغ مراسلاتها الإدارية باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، و تعلن مباريات التوظيف بمختلف أسلاكها باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، و يتحدث مسؤولوها داخل أروقة عملهم باللغة الفرنسية أو الإنجليزية  ، بل و يرفعون رسائل التهنئة و التبريك بمناسبة الأعياد الوطنية و الدينية باللغة الفرنسية أو الإنجليزية.. أي هوان و أي مسخ كهذا ؟.
إن هذه المؤسسات – بما فيها بعض المؤسسات التي تسهر على تدبير قطاعات ذات صبغة دينية – تحرص بكل ما تملك من آليات و أدوات فنية و تقنية و لوجيستيكية على استخدام اللغة الفرنسية أو الإنجليزية، و اعتمادها كأداة تواصل أساسية و ذات أولوية، في عملها اليومي، رغم أن لا أحد من موظفيها السامين، أو مسؤوليها الكبار يتحدر من عائلة فرنسية أو إنجليزية، أو تربطه وشائج دم بالمسرحي موليير أو شكسبير، أو الشاعر الشيطاني بودلير أو جون ملتون ، أو الرئيس الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو أو رئيسة الوزراء غير المأسوف عليها تاتشر، أو الفنان الفرنسي فرانسيس كاريل أو جورج فريدريك هانديل، أو الموهبة الكروية  بوبي شالتون أو بلاتيني.. فمن أين أتى لسانهم باللغة الفرنسية و اللغة الإنجليزية ؟.
نحن لا نرغب في إثارة السخرية بطرحنا لهذا السؤال.. و لكننا – حقا - نرغب في معرفة أسباب التحالف و العلاقة بين مؤسسات عمومية " ملزمة " بالتواصل مع الشعب بلغة غير دستورية، و موظفين عرب مفرنسين أو مبرطنين ( من بريطانيا ) ، اعتاد لسانهم الأصلي أن يتحدث لغة عربية متدرجة إن صح هذا التوصيف، أو لهجة إثنية أصلية ؟ أو هما معا.
نقول مؤسسات ملزمة .. من ألزمها ؟ إن الدستور في مختلف الدول العربية واضح و حاسم في مسألة اللغة.. و تاريخنا في مختلف حقبه، لم يعرف سوى لسانين أولهما إثني ( أي لهجة البلد الأصلية ) ، و الثاني عربي مبين.. هذان اللسانان تمازجا و تحالفا و انصهرا لحما و دما و روحا لمدة  ناهزت خمسة عشر قرنا.. فمن الذي يقصيهما اليوم من احتلال مكانة العزة و الكرامة و السيادة ؟
و من يلزمنا اليوم باللغة الفرنسية أو اللغة الإنجليزية ؟ و هي اللغتان اللتان اكتسبناهما عن طريق احتلال أوطاننا لمدة قاربت نصف قرن.. و قارنوا رعاكم الله بين نصف قرن و 15 قرنا.. ما هي المدة التي ينبغي أن ترجح اللغة الفرنسية أو الإنجليزية ؟.
لقد حاول أحد الفرق النيابية بمجلس النواب المغربي في الولاية التشريعية السادسة ( 1997 / 2002 ) أن يتقدم بمقترح قانون يتعلق بتعريب الإدارة المغربية، ثم تراجع عنه، بعد أن حقق مبتغاه الذي تمثل في إحراز " التنويه " السياسي بمبادرته من طرف بعض وسائل الإعلام الغيورة على لغة الضاد.
 و من سخرية القدر، أن هذا الفريق سيقود طابور الأغلبية، و يعتلي أمينه العام كرسي الوزارة الأولى، لكنه حين يطلب منه أن يعيد الكرة، و يحيي مقترحه القانوني السالف الذكر، سيأبى و يرفض القيام بذلك.. بل استسلم لمبادرات وزيره الأول، بشن هجمات متواصلة و شرسه على قطاعات حكومية حيوية باللغة الفرنسية.. و في هذا السياق ازدادت أغلب المؤسسات العمومية جرأة على تدبير دواليبها بلغة باريس، و قذف مديرياتها و مرافقها الإدارية بآلاف من المراسلات المكتوبة باللغة الفرنسية، و نشر تقارير علمية حول قضايا و ظواهر مجتمعية - يقع عليها الإقبال الجماهيري الشعبي - باللغة الفرنسية.. و هكذا وزعت على نطاق واسع تقارير حول نسب الأمراض النفسية التي يعاني منها المغاربة، و دراسات حول الأطفال المشغلين ببلادنا.. و الخادمات.. و نسب الأسر المعوزة و الفقيرة و الهشة.. و غيرها من الدراسات التي نعتبرها هامة و ضرورية لتجاوز توترات الحياة الإجتماعية.. لكننا نأسف لكون هذه التقارير و الدراسات لم تحقق أي هدف، و لم يطلع عليها سوى من أنجزها، و لم تكن في آخر المطاف إلا هدرا للمال العام، و للوقت العام، و للجهد الفكري و العلمي العام.
لقد بات اليوم مطلب اللغة أساسيا في حياتنا العامة و السياسية، ليس لأنه يعصمنا من التبعية الثقافية المقيتة، و من الارتهان الحضاري، و من مصادرة الهوية، و يدفعنا بالتالي إلى النهوض و التواصل - من خلالها طبعا - مع الآخر في ندية و كبرياء، و لكن لأنه – في الجوهر و الأساس - مطلب يعزز من نسيجنا الاجتماعي و يقويه، و يضمن أمننا الديني و الروحي و يزكيهما، و يمنح لإرادتنا تعبئة حضارية مستمرة لمواجهة تحديات العصر، كما فعلت الصين و اليابان و غيرهما من الدول المعتزة بنفسها و تاريخها و ملكة إبداعها.



 
  يونس إمغران /المغرب (2010-09-01)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

من مظاهر تخلفنا 
تدبير الإدارة العربية بلغة الإفرنج-يونس إمغران /المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia